بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، تجدّد الجمعيات والمنظمات الموقّعة أدناه التزامها الثابت بالدفاع عن مسار العدالة الانتقالية وتذكر أن تعطيل المساءلة والمحاسبة أمام الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية يكرّس الإفلات الممنهج من العقاب. فعلى الرغم من مرور ما يقارب 12 عامًا على انطلاق هذا المسار، لا تزال العديد من أهدافه الأساسية، وعلى رأسها الإصلاحات المؤسساتية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وضمان عدم تكرارها، عالقة دون تنفيذ فعلي.
فمنذ نشر التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية في جوان 2020، والذي تضمّن توصيات واضحة تتعلّق بالإصلاح والمساءلة وجبر الضرر، لم تتولَّ الدولة تنفيذ هذه التوصيات، ولم تُعِدّ إلى اليوم خطة وطنية لذلك. وفي السياق نفسه، لم تُصدر الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية أي حكم قضائي إلى حدّ الآن، فيما تواصل السلطات الامتناع عن تنفيذ مئات بطاقات الجلب، خصوصًا ضد مسؤولين أمنيين يُشتبه في تورّطهم في جرائم تعذيب، واختفاء قسري، وقتل عمد الامر الذي يعمّق الشعور بغياب العدالة لدى الضحايا وذويهم-ن.
وقد تعرّض هذا المسار عوائق إضافية خلال السنوات الأخيرة، من بينها ملاحقة رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، السيدة سهام بن سدرين، وعدد من أعضاء الهيئة قضائيًا، في خطوة تُعدّ تهديدًا مباشرًا لمخرجات هيئة الحقيقة والكرامة ولمسار العدالة الانتقالية.
وبعد تعليق عمل الدوائر المتخصصة لمدة تناهز السنتين بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، تقرّر في مارس 2025 استئناف النظر فقط في الملفات أمام الدائرة الجنائية المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بتونس، رغم افتقار هيئة المحكمة للشروط القانونية من حيث التكوين والتخصص، مما يثير مخاوف جدية حول احترام حق الضحايا في محاكمة عادلة وفعّالة، لا سيّما مع استمرار تعليق عمل باقي الدوائر المتخصصة في 12 محكمة.
تُعدّ جريمة التّعذيب من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم وتخضع لحظر مطلق بغضّ النظر عن الزمان أو المكان أو الجهة المرتكبة. لذلك فإنّ أيّ تعطيل أو تلكّؤ في محاسبة مرتكبيها من شأنه أن يغذّي الإفلات من العقاب مفضياً بالتالي إلى نتيجة واحدة، وهي إرسال رسالة سلبية مفادها التطبيع مع هذه الممارسات، ومنح الضوء الأخضر لتكرارها والتشجيع على استمرارها، مما يُسهّل ارتكاب انتهاكات مماثلة في الحاضر وربما في المستقبل.
وعليه، تؤكد المنظمات الموقعة على هذا البيان ما يلي:
- لا يمكن الحديث عن مكافحة التعذيب دون مواصلة الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية ومحاسبة جميع المسؤولين عن جرائم التعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛
- من الضروري تنفيذ الإصلاحات المؤسساتية وتفعيل ضمانات عدم التكرار، استنادًا إلى توصيات التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة؛
- تندّد المنظمات بتعطيل عمل الدوائر القضائية المتخصصة، وبالملاحقات القضائية التي تطال رئيسة وأعضاء هيئة الحقيقة والكرامة؛
- وتدعو الدولة التونسية إلى احترام التزاماتها الدولية وإلى احترام القانون التونسي في مجال مناهضة التعذيب مذكّرة أساسا بالحظر المطلق لجريمة التّعذيب وعدم سقوطها بمرور الزمن.
إنّ نجاح مسار العدالة الانتقالية في تونس هو قبل كل شيء استجابة لحق الضحايا في الحقيقة والعدالة والإنصاف وهو أيضًا شرط أساسي لحماية المجتمع من تكرار جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان. أما استمرار الإفلات من العقاب، فلن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج منظومات تنتهك حقوق الانسان.
الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية
محامون بلا حدود
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية
جمعية الكرامة للحقوق والحريات