ليبيا: أنماط جديدة لإنتهاكات حقوق الإنسان وغياب المساءلة



تونس،28  يونيو – على أثر اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب سعت كل من الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب (LAN) والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) لكشف النقاب عن أنماط جديدة ومقلقة من انتهاكات حقوق الإنسان والتأكيد على الحاجة الملحة للمساءلة في ليبيا.

أدى عدم الاستقرار السياسي وتفكك الحكومة في أعقاب تأجيل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي إلى خلق مناخ متوتر بشكل خاص في ظل استمرار انعدام الأمن، ويبدو أن الخوف من صراع مفتوح جديد يلوح في الأفق. وفي هذا الصدد تعبر الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب عن قلقهما العميق إزاء انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي حدثت منذ يناير 2022.

لازالت انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا مسألة مستمرة لسنوات عدة على الرغم من توقف النزاع المسلح إلا أنه قد ظهرت أنماط انتهاكات جديدة واسعة النطاق وممنهجة في جميع أنحاء ليبيا منذ بداية هذا العام في ظل غياب أي آليات للمساءلة، باعتبار أنه لا يتم مقاضاة مرتكبي هذه الانتهاكات والتجاوزات، بل غالبًا ما يتم دمجهم بشكل مقنن في هياكل الدولة الليبية، حيث يتم تمويلهم غالبا من ميزانية الدولة[1]. ترتكب هذه الجماعات المسلحة انتهاكات جسيمة للقانون الدولي منها القتل خارج إطار القضاء والتعذيب والاعتراض في البحر والاحتجاز التعسفي للمدنيين الليبيين والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء[2]. علاوة على ذلك، فإن الضبابية التي تكتنف الخط الفاصل بين الجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية والبيئة الأمنية غير المستقرة تعيق بشدة وصول ضحايا هذه الانتهاكات إلى العدالة وتشكل عائقًا خطيرًا أمام مسار العدالة الانتقالية.

الطرد القسري والترحيل الجماعي للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء

تدين الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب بشدة ممارسة الطرد القسري والترحيل الجماعي للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من قبل السلطات الليبية عبر الصحراء في الجنوب مما يترك المهاجرين عالقين على الحدود التشادية والسودانية دون طعام أو ماء أو مأوى. تبدو هذه العمليات في تصاعد حيث تم طرد ما يقرب من 500 مهاجر قسريًا منذ يناير 2022، وقد وثقت الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب عمليات ممنهجة للطرد بإجراءات موجزة من مراكز احتجاز شحات والبيضاء وقنفودة في المنطقة الشرقية إلى المنطقة الجنوبية في الكفرة منذ بداية العام، وقد حدثت آخر عملية معلنة للترحيل الجماعي للمهاجرين في أوائل يونيو عندما نُقل أكثر من 200 مهاجر في شاحنات إلى الصحراء على الحدود الليبية بعد تعرضهم لسوء المعاملة والإيذاء أثناء عملية النقل. وبعد تحمل رحلة مروعة عبر التهريب والاعتقال والتعذيب والعمل القسري تم التخلي عن الضحايا في عرض الصحراء القاحلة.  وبذلك تخلق عمليات الطرد الجماعي التي يرتكبها قادة الحكومات في المنطقة حلقة مفرغة من الانتهاكات وتكرس ثقافة الإفلات من العقاب وانعدام المساءلة.

يتعارض القانون الليبي مع القوانين الدولية المتعلقة بالإعفاءات الإنسانية للضحايا المهاجرين ويجرم الهجرة غير النظامية مما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم قدرة أي طرف في الطعن في عدم شرعية عمليات الطرد المنهجية هذه نظرا لحرمان المهاجرين من أي نوع من المساعدة، سواء كانت قانونية أو إجرائية، مما يزيد الوضع سوء[3].

القتل خارج نطاق القضاء

وتعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء وغير القانونية في ليبيا مثالا مروعا آخر على الإفلات من العقاب. تم توثيق حوالي 100 حالة قتل خارج نطاق القضاء من قبل الشبكة في جميع أنحاء ليبيا من يناير إلى يونيو 2022. هذا مجرد غيض من فيض فيما يتعلق الأمر بالعدد الحقيقي للحالات. وثقت الشبكة مقتل الطيب جاب الله مصطفى الشريري، 27 عاما، بعد إصابته برصاصة في ظهره وساقه في وسط مدينة مصراتة[4]. يظهر شريط فيديو صادم لكاميرا مراقبة الضحية وهو يطلق النار عليه من قبل مسلحي قوة العمليات المشتركة التابعة للحكومة الليبية. ووقع إطلاق النار بعد أن انتقدهم الضحية على فيسبوك.

أصبحت عمليات القتل خارج نطاق القضاء للمدنيين الليبيين والمهاجرين وغيرهم من الفئات الضعيفة في وضح النهار أو في مراكز الاحتجاز ممارسة شائعة من قبل المسلحين الحكوميين والغير الحكوميين وغالبًا ما تحدث في سياق إطلاق النار الجماعي أو الاستهداف المقصود لأشخاص بعينهم. فرقت قوات الأمن الليبية بعنف اعتصامًا قام به 2000 مهاجر ولاجئ وطالبي لجوء، من بينهم نساء وأطفال أمام مكتب المفوضية في طرابلس، واعتقلت واحتجزت 600 منهم. أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين، مما تسبب في مقتل ستة مهاجرين وإصابة عدد غير معروف من الأشخاص. وبمجرد إلقاء القبض عليهم واحتجازهم تزداد مخاطر إضافتهم إلى إحصائيات ضحايا عمليات القتل خارج نطاق القضاء. وبالفعل في يناير 2022 تم توثيق خمس حالات إعدام خارج نطاق القضاء في سجن « الماية » غرب العاصمة طرابلس وقد كان ثلاثة منهم من المهاجرين[5].

نظرًا لتصاعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء في ليبيا قررت كل من الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب التطرق إلى هذه المسألة بالذات المثيرة للقلق من خلال تقرير مفصل سيتم نشره في وقت لاحق من هذا العام.

العمل القسري للمهاجرين

لا يتعرض المهاجرون المحتجزون لظروف غير إنسانية ومهينة والتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز فحسب، بل يشمل ذلك أيضًا العمل القسري، ففي مركز احتجاز « عين زارة » في طرابلس يتم استغلال المهاجرين للقيام بعدد من المهام الصعبة تتراوح بين الصيانة والتنظيف إلى بناء بنى تحتية جديدة للسجون مقابل 10 دنانير في اليوم أو حتى مقابل مزايا محددة مثل شراء أرصدة الهاتف أو شراء السجائر، كما يتم استغلالهم من قبل الضباط وأفراد الأمن في منازلهم ومزارعهم الخاصة لأداء نفس المهام مقابل مبالغ ضئيلة وفي الغالب بالمجان.

في هذه الحالات لا يكون المحتجزون على دراية بحقوقهم ويحرمون من الضمانات القضائية الأساسية كالحق في الاتصال بمحامين وتقديم الشكاوى وكذلك الحق في محاكمة عادلة. فضلا عن ذلك، فإن الظروف في السجون ومراكز الاحتجاز الليبية غير ملائمة فلا يقع تمكين أقارب المحتجزين من زيارة ذويهم لتقديم الدعم اللازم والرعاية الأساسية. علاوة على ذلك عندما تكون هناك أوامر قضائية بالإفراج تمتنع مراكز الاحتجاز الرسمية عن تنفيذها، كما يتعرض الضحايا و الناجون من هذه الانتهاكات) داخل أو خارج مراكز الاحتجاز( للتهديد والمضايقة مع عائلاتهم لمنعهم من التحدث عما شهدوه أو مروا به.  لقد فشلت الحكومة حتى الآن في الاعتراف بوجود مراكز الاحتجاز السرية القائمة والأحياء الفقيرة للمهاجرين غير الشرعيين والتي تقع بالكامل خارج النظامين الإداري والقضائي وتجريمها.

يعزز النظام الحالي ويشجع على العنصرية وكراهية الأجانب والإفلات من العقاب باعتبار أنه يعرقل تقديم الجناة إلى العدالة، ويخشى الضحايا الإبلاغ عن الانتهاكات التي تعرضوا لها والتي قد ترقى بمرور الوقت إلى جرائم ضد الإنسانية خوفًا من الانتقام.

المدافعون عن حقوق الإنسان

على غرار ذلك، قادت السلطات المحلية حملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان مما خلق بيئة معادية يتم فيها استهداف أعضاء منظمات المجتمع المدني على وجه التحديد. فقد تم تداول العديد من التهديدات بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي ضد نشطاء حقوق الإنسان مما خلق ضغطًا إضافيًا على منظمات المجتمع المدني المحلية التي تعمل على توثيق الانتهاكات المختلفة والتي تشمل التعذيب، فمن نوفمبر 2021 إلى مارس 2022 تم اعتقال واحتجاز سبعة نشطاء مدنين بشكل تعسفي. يبرز هذا الوضع شبه غياب ضمانات قضائية للمحتجزين فقد تم تداول اعترافاتهم التي تم الحصول عليها تحت الإكراه على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.  بالإضافة إلى ذلك لم يُمنح هؤلاء النشطاء الحق في الحصول على محامٍ أو محاكمة عادلة بسبب عدم استقلالية القضاء وغياب آليات التحقيق الفعالة في ليبيا والإطار المؤسسي الهش.

القضية الموثقة الاختطاف وسجن المحامي عدنان عبد القادر العرفي لرفعه دعوى قضائية ضد نائب محافظ البنك المركزي الموازي بتهمة الفساد[6]، أفضل مثال على هشاشة المؤسسات القضائية. حيث ظل محتجزاً في سجن الكويفية لمدة 13 يوماً.

تدعو الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب الحكومة الليبية إلى:

  • المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، وتعزيز آليات الرقابة على مراكز الاحتجاز وإجراءات الاعتقال لمنع ممارسة التعذيب وردعها.
  • ضمان استقلالية وشفافية وكفاءة النظام القضائي وضمانات المحاكمة العادلة لجميع المتهمين و / أو المُقدمين إلى المحاكمة.
  • ضمان حرية التعبير وتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء من القيام بعملهم دون خوف من الاعتقال أو الانتقام.
  • إجراء التحقيق الفوري والشامل والمستقل في حالات القتل خارج نطاق القضاء المرتكبة خارج السجون ومراكز الاحتجاز وداخلها وتقديم الجناة إلى العدالة.
  • اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من الترحيل القسري دون أسس قانونية.
  • وضع آليات وإجراءات مناسبة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المهاجرين أثناء عمليات العودة والترحيل وتحديداً من يعبرون الحدود التشادية والسودانية وفي الصحراء الليبية.

كما تدعو الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب المجتمع الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا إلى:

  • دعم إصلاح النظام القضائي ومراقبة تنفيذ آليات التظلم والتحقيق المناسبة لمحاسبة الجناة.
  • مساءلة السلطات الليبية عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على أراضيها.
  • دعم الإصلاح التشريعي والمؤسساتي لأنظمة الهجرة.
  • التأكد من أن الوصول إلى الخدمات الإنسانية بما في ذلك تسجيل طالبي اللجوء يتم توفيره للمهاجرين في المدن والمناطق الأخرى خارج طرابلس حيث يقع المكتب الوحيد للمفوضية[7].
  • ضمان قيام المنظمات الدولية والجهات الفاعلة الإنسانية بتوفير الحماية للمهاجرين واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتلبية احتياجاتهم ومواصلة جهودهم في تأمين الإفراج عن المهاجرين المحتجزين بشكل غير قانوني في جميع مراكز الاحتجاز الليبية أو على الأقل ظروف معيشية أفضل.
  • دعم تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا.

[1] تقرير: الدبيبة يستغل نفوذه للبقاء في الحكم، أخبار 218، فقرة 3

[2] منظمة العفو الدولية: ليبيا: حاسِبوا قادة ميليشيا جهاز دعم الاستقرار، مايو 2022

[3] غير آمن وغير كريم: الطرد القسري للمهاجرين من ليبيا، OHCHR، نوفمبر 2021

[4]  منظمة رصد الجرائم الليبية، تقرير: انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في مارس  2022، مارس 2022، R/01/2022

[5] منظمة رصد الجرائم الليبية، تقرير: انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في يناير 2022، يناير 2022، R/01/2022

[6] منظمة رصد الجرائم الليبية، تقرير: انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في مايو 2022، يونيو 2022، R/07/22

[7] نظرًا لأن نطاق وصول مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يمتد فقط حتى وسط طرابلس، فإن هذا يعرض طالبي اللجوء والمهاجرين لخطر كبير حيث يتعين عليهم عبور الأراضي الليبية الواسعة من أجل الوصول إلى العاصمة حيث لا تكون السلامة مؤكدة.